تحدي شركات الصين لتسلا في تقنيات القيادة الذاتية

في خضم المنافسة المحتدمة في عالم السيارات الكهربائية، تتألق الشركات الصينية، وعلى رأسها BYD، كقوة صاعدة تهدد عرش "تسلا" في سوق المركبات الكهربائية ذات الأسعار التنافسية، ومع هذا التطور الملحوظ، يتوسع نطاق التحدي ليشمل سباقًا محمومًا نحو تطوير تقنيات القيادة الذاتية المتطورة.
بينما تستعد "تسلا" لإطلاق أسطول من سيارات الأجرة ذاتية القيادة في مدينة أوستن بولاية تكساس بحلول شهر يونيو من عام 2025، تواجه ضغوطًا متزايدة من الشركات الصينية المبتكرة، التي تقدم أنظمة مساعدة القيادة المتقدمة بتكاليف أقل بكثير، مدعومة بسخاء من الحكومة الصينية وبوتيرة متسارعة من الابتكارات التكنولوجية.
هذا التحول المتسارع يضع إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، في مواجهة اختبار مصيري، خاصة في ظل التراجع الملحوظ في مبيعات الشركة داخل السوق الصينية، التي تعتبر أكبر أسواق السيارات على مستوى العالم.
لقد أحدثت BYD ثورة حقيقية في سوق السيارات الكهربائية الذكية في مطلع هذا العام، وذلك من خلال طرح نظام "عين الإله" المذهل لمساعدة القيادة بشكل مجاني تمامًا، وهو نظام يضاهي في قدراته تقنية القيادة الذاتية الكاملة (FSD) من تسلا، والتي تُباع بسعر باهظ يصل إلى حوالي 9000 دولار في الصين.
أكد تايلور أوغان، وهو مستثمر أمريكي في BYD ويقيم في مدينة شنتشن الصينية، أن نظام "عين الإله" يتفوق بشكل ملحوظ على نظام "تسلا" من حيث الأداء والكفاءة، مشيرًا إلى تجربته الشخصية في قيادة سيارات BYD في شوارع شنتشن المزدحمة دون الحاجة إلى التدخل اليدوي على الإطلاق.
ولا تقتصر المنافسة الشرسة على BYD وحدها، بل تتنافس شركات أخرى مثل "ليبموتور" و"إكسبنغ" أيضًا في تقديم أنظمة قيادة ذاتية متطورة في سيارات بأسعار تبدأ من 20 ألف دولار فقط، بينما تعزز شركة "هواوي"، عملاق التكنولوجيا الصيني ذو السمعة المرموقة، مكانتها في هذا المجال من خلال تزويد شركات مثل "شيري" و"تشانجان" بتقنيات القيادة الذاتية المبتكرة.
هذه المنافسة القوية، المدعومة بسخاء من خلال السياسات الحكومية الصينية الطموحة، تشكل تحديًا كبيرًا لشركة تسلا، التي تعاني بالفعل من تراجع في مبيعاتها داخل السوق الصينية وسط حرب أسعار مستمرة.
وفقًا لتحليلات مفصلة أجرتها شركات متخصصة لصالح وكالة رويترز، فإن تكلفة المكونات الرئيسية لنظام "عين الإله" من BYD، الذي يعتمد على رادارات وليدار متطورة، تقارب إلى حد كبير تكلفة نظام تسلا FSD الذي يعتمد بشكل حصري على الكاميرات، مما يقوض استراتيجية تسلا التي تهدف إلى تقليل التكاليف باستخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم بدلاً من المستشعرات التقليدية.
وتزيد القيود الصينية المفروضة على تسلا، والتي تمنعها من استخدام بيانات القيادة المجمعة داخل الصين لتطوير تقنياتها، من حجم التحديات التي تواجهها، بينما تستفيد الشركات الصينية بشكل كامل من هذه البيانات القيمة لتحسين أنظمتها وتطويرها باستمرار.
في شوارع شنتشن الصاخبة، التي يقطنها أكثر من 18 مليون نسمة، أظهرت سيارة آيتو M9، وهي سيارة رياضية كهربائية فاخرة من إنتاج شركة "سيريس" ومزودة بتقنية هواوي المتطورة، قدرات فائقة في التنقل بسلاسة بين الطرق السريعة والمناطق الحضرية المزدحمة، مع تجنب العوائق المحتملة والقيام بمناورات معقدة مثل الركن التلقائي بكل سهولة.
وفي معرض شنغهاي الدولي للسيارات الذي أقيم في شهر أبريل الماضي، أعلنت شركات رائدة مثل هواوي وزيكر وإكسبنغ عن تحقيق تقدم كبير نحو تطوير أنظمة قيادة ذاتية من المستوى الثالث، والتي تتيح للسائق عدم التركيز على الطريق إلا عند الضرورة القصوى، بينما لا تزال تسلا بحاجة إلى مزيد من التطوير والتحسين لإطلاق نسخة مماثلة من نظامها.
وتستفيد الشركات الصينية بشكل كبير من اقتصادات الحجم الهائلة الناتجة عن طفرة السيارات الكهربائية غير المسبوقة، مما أدى إلى تقليل تكاليف المستشعرات بنسبة تصل إلى 40٪ مقارنة بالأسواق الأوروبية والأمريكية.
وأشار كريس ماكنالي، مدير أبحاث السيارات العالمية في شركة "إيفركور"، إلى أن BYD تتمتع بميزة تنافسية هائلة في جمع بيانات القيادة القيمة لتحسين نظام "عين الإله" باستمرار، خاصة مع تقديمها مجانًا، مما يعزز مبيعاتها بشكل كبير. كما أن حجم BYD الهائل، التي باعت 4.2 مليون سيارة في العام الماضي وحده، يمنحها نفوذًا كبيرًا على الموردين، حيث طلبت تخفيض أسعار المكونات بنسبة 10٪ بدءًا من شهر يناير لعام 2025.
وفي المقابل، تواجه "تسلا" تحديات إضافية جمة مع تراجع مبيعاتها على مستوى العالم، مما دفعها في العام الماضي إلى إلغاء خطط إنتاج سيارة كهربائية بتكلفة معقولة تبلغ 25 ألف دولار، لتركز بدلاً من ذلك على تطوير سيارات الأجرة الذاتية، التي تشكل الآن الجزء الأكبر من قيمتها السوقية البالغة تريليون دولار.